شرح حديث الصدقة

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال:رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سلامي من الناس عليه صدقه كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقه تعين الرجل فى دابته فتحمله عليها أو ترفع له ه عليها صدقه والكلمة الطيبة صدقه وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقه وتميط الأذى عن الطريق صدقه ( رواه البخاري وسلم)
* شرح مفردات الحديث*
كل سلامي من الناس عليه صدقه (كل)بالرفع مبتدأ،(وسلامي)مضاف إليه ،والخبر (عله صدقه)والسلامى بضم السين وتخفيف اللام هو العضو وجمعه سلاميات ،بفتح الميم وتخفيف الياء وقيل جمعه ومفرده واحد
*وقال ابن الأثير فى النهاية السلامى جمع سلاميه :هى النملة من أنامل الأصابع وهى التى بين مفصلين من أصابع الإنسان وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام
*وقال النووي فى شرح مسلم أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل فى سائر عظام البدن ومفاصله .
وقوله (من الناس)فى محل الصفة لسلامي والضمير فى (عليه)عائدة إلى الجنس كما فى قوله صلى الله الله عليه وسلم (خير نساء ركبن الإبل وأحناه على زوج قريش)
ولهذا ورد بصيغة التذكير
*قال السهيلى فى (الروض)الضمير فيه عائد على الجنس أو الضمير عائد على السلامى وذكره باعتبار أنه عضو أو مفصل
*(كل يوم تطلع فيه الشمس)هذا ظرف مبين لتجدد وجوب هذه الصدقات على الإنسان صبيحة كل يوم فى مقابل ما أنعم الله به عليه من خلق تلك السلاميات ودوامها ولو شاء لسلبها عنه وقد ورد أن الصدقة تدفع البلاء فبإخراجها عن أعضائه يرجى اندفاع البلاء عنها وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (عليه صدقه)وجوب الشكر بهذه الصدقة كل يوم
لكن جاء فى رواية أخرىفإن لم يفعل فليمسك عن الشر فإن له به صدقه) وهو يدل على أنه يكفيه أن لايفعل شيئا من الشر فى إسقاط هذا الوجوب
*(تعدل بين الاثنين صدقه)هذا بيان لبعض أنواع الصدقات التى يمكن أن يتصدق بها صبيحة كل يوم والجملة مستأنفه واقعه فى وجوب سؤال مقدر كأنه قيل :بأى شئ تتصدق؟فقيل تعدل.....الخ وهو يدل على أن لاتكون بمال فقط،بل تشمل كل مافيه نفع للمسلمين ،أو دفع أذى عنهم كما أنه لا يلزم أن تكون متعديه إلى الغير فإن المشى إلى الصلاة نفعه قاصر على صاحبه والمراد بالعدل بين الأثنين هو الفصل فيما شجر بينهما من نزاع مع تحرى العدل فى ذلك فلا يحابى أحدهما لنسب أو قرابة أو صدقه ويجتهد فى إصلاح ذات بينهما فيكون له ذلك صدقه حيث أزال مابينهما من إحن ووقاهما مما يترتب على الهجر والخصام من قبيح الأقوال والأفعال
*(وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها):هذا هو الأمر الثاني أن يعين الرجل فى شأن دابته فإن كان يريد الركوب عليها أمسكها له حتى يركب أو أعانه على النهوض فوقها وإن كان يريد أن يحمل عليها ا ساعده فى رفعه فهو عمل من أعمال المروءة التي يشكرها الله للعبد ويحبسها له صدقه،والدابة فالأصل اسم لكل مايدب على الأرض ثم استعملها العرف فى ذوات الأربع وقد يراد لها خصوص الخيل
*والكلمة الطيبة صدقه الطيب ضد الخبيث وهو كل مافيه نفع وصلاح مع خلوه من الشر والفساد والمراد بالكلمة الطيبة مثل الذكر والدعاء لنفسه أو لغيره وإفشاء السلام ورده والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولقد ضرب الله للكلمة الطيبة بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها
وفى الحديث(رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم )
*(وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة)الخطوة بفتح الخاء اسم للمرة من الخطأ وبالضم لما بين القدمين ويلحق بالصلاة فى ذلك ما فى حكمها من طلب العلم وصلة الرحم وزيارة الإخوان وغير ذلك من القربات
*(وتميط الأذى عن الطريق صدقه) يقال أماط الشئ عن الشئ بمعنى أنه أزاله ونحاه والأذى كل ما يؤذى المارة من حجر وشوك ونحوهما وإنما جعل إماطة الأذى آخرا لأنها دون ماقبلها من الخصال فى الأهمية كما يدل عليه الحديث الصحيح (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبه من الإيمان
* المعنى الأجمالى للحديث *
ينبه الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث إلى جسيم نعمة الله عز وجل على الإنسان حيث بنى هيكله العظمى على تلك الصورة البديعة المتقنة ونسق أعضائه ومفاصلة على هذا النحو العجيب الذي يمكنه من أداء الأعمال والحركات المختلفة وكيف أنه سبحانه حفظ هذه الأعضاء من التلف والفساد إلى الأجل الذي قدره لها.ويبين أن ذلك يقتضى من الإنسان المبادرة إلى شكر الله عز وجل على كل سلامي من هذه السلاميات وأن ذلك واجب متجدد عند بزوغ الشمس كل يوم ثم يشير الرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض مظاهر هذا الشكر وصوره على وجه التمثيل لا التعين إذ هى لا تنحصر فى الأمور التي وردت فى الحديث فمنها:
1-ان يسعى فى الصلح بين المتخاصمين وإزالة ما عساه أن يقه بينهم من عداوة وشحناء تجر عليهم كثيرا من المصائب والويلات وتدفعهم إلى ارتكاب ما يحرمه الدين ويأباه الخلق الكريم وفى الحديث الصحيح (ألا أنبئكم بأفضل من درجات الصلاة والصيام والصدقة؟قالوا بلى قال:إصلاح ذات البين بين المسلمين وفساد ذات البين هى الحالقة لاأقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
وقد أباح الشرع لمن يحاول بين الناس أن يكذب إذا وجد أن ذلك فى الوصول إلى غرضه فقد جاء فى الحديث الصحيح(ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا) وقد نوه القران العظيم بشأن الإصلاح بين المتنازعين وبين أن ذلك مما تقتضيه أخوة الإيمان
قال الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (سورة الحجرات 9،10)
2-ومن ذلك أيضا أن يعين بعض المسلمين بعضا فى كل ما يحتاج فيه إلى معونة وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بإعانته على ركوب الدابة أو حمل ه عليها ولاشك أن تقديم المعونة للمحتاج إليها من أفضل أعمال المروءة التي يهملها كثير من الناس وفى الحديث الصحيح (والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه)
3-ومن مظاهر شكر الله على نعمته أيضا أن يحفظ الإنسان لسانه حتى لايصدر عنه إلا كل قول جميل فلا يستعمله إلا فى ذكر الله عز وجل وإسداء النصح لكل مسلم وفى مدارسة العلم ونشره وليحذر كل الحذر من مصدر لكثير من الموبقات كالكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور والفحش والبذاء وغير ذلك من عظائم الذنوب
*وقد جاء فى حديث معاذ المشهور أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له:ألا أدلك على ملاك الأمر كله؟قالوا بلى قال كف عليك هذا واخذ بطرف لسانه فقال معاذ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله ؟قال ثكلتك أمك وهل يكب على الناس فى النار على مناخرهم أو قال على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم
*وفى الحديث الصحيح الأخر :إذا أصبح ابن فإن الأعضاء تكفر اللسان تقول له :اتق الله فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججناوقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الأجوفان :الفم والفرج
4-ومنها كذلك الخطا إلى المساجد لأداء فريضة الله عز وجل وفى الحديث الصحيح ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟قالوا بلى يارسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط)
وفى الحديث الآخر (بشر المشاءين فى الظلمات بالنور التام يوم القيامة)
وقد ورد أن بنى سلمه كانت بيوتهم بعيدة عن المسجد فأرادوا أن يبيعوها ويستبدلوا بها بيوتا قريبة من المسجد فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم يابنى سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟*ومنها كذلك إزالة كل مايضر المارة ويؤذيهم من حجارة أو شوك أو قشر موز أو نحوه فهو صدقه لمن يفعله.
فحبذا لو تدبر المسلمون هذه المعاني الكريمة التي تضمنها هذا الحديث وأخذوا بها أنفسهم إذا لرأينا مجتمعا سليما متكافلا لا أثر فيه لأنانية ولا موضع لفرقة أو بغضاء.